الحلقة الأولى – لماذا طب ابن سينا؟

لماذا طب ابن سينا

يستغرب الكثير من أن مصابة بالتصلب المتعدد اختارت الابتعاد عن الأدوية الصيدلانية والاتجاه للطب القديم، وتردني أسئلة كثيرة حول هذا القرار.

قبل أن أسرد ما الذي أوصلني إلى طب ابن سينا أحب أن أوضح أنه ليس لدي مشكلة مع الأدوية من ناحية المبدأ، ولكنني أريد أن أتشافى (بكل بساطة) وليس لدي وقت لأنتكس وأتعافى وأنتكس وأتعافى مجددا، وأنهك جسدي بمضاعفات المرض والأدوية وأجرجر نفسي وأهلي في دوامات نحن جميعا في غنى عنها، ولكن المطروح حاليا هي أدوية للسيطرة على المرض فقط. لذا غيرت اتجاهي إلى فرع آخر من فروع الطب يعنى بالعلاج.

هذا القرار شخصي جدا استطعت أن أتخذه بسبب درجة تقدم المرض عندي، المعلومات المتوفرة لدي، دعم الأسرة والكثير من العوامل الاخرى الخاصة بي، هذه ليست دعوة لأحد ليتخذ قرارات مماثلة لي، بل أنا أدعو دوما للاطلاع والنظر لمدى أوسع مما اعتدنا عليه، خصوصا عندما تمر السنون ونرى أن ما اعتدنا عليه (ما يوكل عيش) حقيقة.

ظهرت أول أعراض المرض عندي في 2009 على هيئة وخز كهربائي، كنت أشعر به عندما أنحني لربط الحذاء، وقتها لم أأخذ الأمر بجدية وبكل بساطة قررت أن أرفع قدمي بدل أن أحني رقبتي وأربط حذائي.

 نسيت الموضوع تماما إلى أن أصبت بأسوء هجمة في تاريخ مرضي في 2011، شعور بكرة حارقة تتحرك في الرجل اليمنى، دوار واختلال في التوازن، ألم عندما يصيب الماء جسمي، تنمل في كامل الرجل، إعياء (الباكيج كله!)، الرنين المغناطيسي أكد تشخيص التصلب المتعدد وبدأت أسوأ أيام حياتي مع الريبيف.

وصف لي الطبيب حقن الريبيف (التي لم أجدها لطيفة أبدا) ثلاث مرات في الاسبوع، وانتظمت على الدواء لما يقارب الأربع السنوات.

الأعراض الجانبية كانت أسوء من أسوء هجمة تعرضت لها، ألم في العضلات، شعور مفرط بالبرد كان يدفعني للنوم بدون مكيف في صيف الخليج الحار، ثم أستيقظ وأنا أتصبب عرقا، جميع تدرجات الأزرق والأخضر والبنفسجي على جسمي لتذكرني بمكان الإبر، بعد هذا كله تعرضت لهجمة وأنا على الدواء!!

الان أشعر بالأسى لما عرضت له نفسي، وللكبد والكلى عندي التي كانت تسعى لتنقية الجسم من تلك المواد لأقوم أنا بحقنها مرة أخرى بعد يومين، يبدو أنني أخذت ما يقارب ال 600 حقنة، مؤسف أن هذا كله لم يكن حتى في طريق العلاج – كما هو مذكور على علبة الدواء -.

توقفت عن الدواء في منتصف 2015 استعدادا لإنجاب ابنتي ، و كنت قد انتظمت على حمية تيري والز بشكل نصف جاد منذ 2014، في تلك الفترة كان يبدو لي إيقاف الألبان والخبز والسكر مستحيلا ( أعرف الآن أنه ممكن جدا)، ولم يكن اللحم العضوي متوفرا، كنت أحسن ادائي في الحمية بشكل تدريجي إلى أن وصلت إلى مستوى مرضي، تعرضت إلى العديد من الهجمات التي كنت (أطنشها) لأنني لم أكن أعرف وقتها أنه يجب أن أأخذ جرعة كورتيزون لإيقاف الهجمات (!!)، مجددا هجمة شرسة بعد التوقف عن الرضاعة الطبيعية كما كان متوقعا، وبدأت أتساءل إذا كنت بحاجة لاتخاذ خطوات أخرى للسيطرة على المرض، ولكنني لم أكن على علم بجميع الخيارات المتاحة فبقيت على الحمية.

مرت السنوات وأنا بدون دواء وأحاول إدارة المرض عن طريق الغذاء، ثم استوعبت الفكرة.

  نحن نعرف أننا مصابون بالتصلب المتعدد إلى أن نتعرض لأول إعاقة فنفهم فعلا أننا مصابون بالتصلب المتعدد، بالنسبة لي كانت بداية الإعاقة في عيني اليمنى، لأيام كنت أشعر بشيء غريب وكأنها ذرة غبار لا تريد أن تخرج، إلى أن ساء الوضع وبدأت أشعر بالألم عند تحريك العين وبات النظر يتشوش وكأنني أنظر إلى ما حولي من خلال عدسات مغبرة، وبعد ذلك صرت أرى نقاطا بيضاء في الصورة أمامي وكأنها لعبة تركيب تفتقد بعض الأجزاء. مرة أخرى لم يخطر ببالي أنها هجمة، فلقد أخبرني طبيبي سابقا أن الرنين يبشر بالخير والنقاط البيضاء في المخ لا تدعو للقلق، بل أوضح أنه إن لم ير النقاط على النخاع لن يسمي هذا تصلبا متعددا بالنظر إلى مسح المخ فقط، ولكنها كانت هجمة شرسة وبعد أيام فقدت البصر تماما في العين اليمنى – لا تقلقوا أنا الآن بخير -.

كانت هذه نقطة تحول بالنسبة لي، في تلك اللحظة نهضت وأمسكت بزمام الأمور، وبدأت أبحث عن علاج شاف، كان هدفي واضحا: يجب أن أشفى من هذا المرض، التصلب المتعدد ليس قدري، الطب الحديث يقول صراحة أنه يمكن أن يقدم الدعم ولكن ليس له حيلة في الشفاء.. لا بأس، إذا نبحث في مكان آخر، فرع آخر من فروع الطب.

تراكمات المعرفة الإنسانية واسعة، ولابد أن هناك شفاء، ومن يسعى يجد الله معه، لاحقا أمسكت بالكلندر وعرفت ما كنت قد فعلته لأصاب بالهجمة ولو كان الوقت متأخرا.

علمت أن هناك حالات شفاء من العديد من الأمراض المزمنة كالتصلب المتعدد بالانتظام على حميات تستند على طب ابن سينا، كنت قد سمعت عن هذا العالم بين كتب التاريخ وأسماء المستشفيات، ولكن لم أعرف أن هذا الطب لايزال قيد الممارسة، وأن كتابه القانون في الطب (مرفق في المدونة) الذي أسس قواعد الطب الحديث مكتوب بلغة عربية بسيطة تخاطب جميع الخلفيات.

كان ابن سينا المرجع الرئيسي لعلوم الطب لمدة سبعة قرون متتالية، حيث استمر اعتماد كتابه “القانون في الطب” لتعليم الطب في الجامعات الأوروبية لغاية منتصف القرن السابع عشر، وله إسهامات كثيرة في الطب منحته العديد من المسميات مثل الشيخ الرئيس والمعلم الثالث بعد كل من أرسطو والفارابي، وبالإضافة إلى ألقاب أخرى مثل: أمير الأطباء، وأرسطو الإسلام.

يعد ابن سينا من أول من كتب عن الطب في العالم و قد اتبع نهج ابقراط وجالينوسو، هو أول من صنف الحالة النفسية كجزء من عملية الشفاء، أبرز سمات هذا الفرع من العلم هو النظرة الشمولية للجسم، الاهتمام بطريقة الحياة، التأكيد على أهمية الروحانية والعلاقة بالله عز وجل، التركيز على منشأ الأمراض عوضا عن الأعراض، فهم اختلاف أطباع الأجساد وعلاج كل جسد بما يتوافق و طبعه، وأخيرا التركيز على التداوي بالغذاء ثم التدرج إلى الأدوية البسيطة ثم الأدوية المركبة العشبية كحل أخير ( يبدو أنني مشيت بالعكس، بدأت بالإبر وانتهيت بالحمية والأعشاب ).

إن فهم أساسيات هذا العلم تفيد في حفظ الصحة واسترجاع ما فقد منها.

الحلقات التالية تشرح أساسيات طب ابن سينا كما ذكرت في كتاب القانون في الطب وشرحه.

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *