رسالة من التصلب المتعدد

طيب بقول لكم قصة، انا احتفظت بمرضي سرا تقريبا لمدة 8 سنوات، كنت اقول ‘مو ناقصة اسمع اقتراحات من أحد’ و لكن عندما قررت مؤخرا أن أتحدث عنه بعد احد الانتكاسات السيئة التي تعرضت لها وجدت نفسي استخدم المفردات المتعارف عليها في سياق المرض. حتى أنني عملت هاشتاق #محاربة التصلب في أول بوست على حسابي الشخصي.
حقيقتا لم أكن اعي كيف تشكل مثل هذي المفردات قناعاتي و لا كيف تغيير نظرتي للمرض. بدأت في مراجعة حواري الداخلي و الكلمات التي استعملها لوصف نفسي و غيري من المصابين عندما وجدت نصا ملهما كتبه أندرياس مورتيس عن السرطان و كان يقول ‘لا يجب أن تدخل في معركة مع السرطان يجب أن تشفيه’. فتسائلت.. ماذا يعني هذا بالنسبة لي؟ ان كنت انا محاربة التصلب المتعدد، من احارب؟ ليست هناك ميكروبات أو أجسام دخيلة اريد التخلص منها، فمن احارب؟
جاء هذا النص ليضيف إلى قناعات كانت تتبلور بداخلي. كنت و لا أزال أتصور التصلب المتعدد كساعي بريد.. أتصوره كشخص نحيف في نهاية الخمسينات يلبس بدله ذات ألوان شاحبة، يبدو متعبا قليلا و لكنه يبتسم رغم الحر لأنه الان الساعه الواحدة ظهرا هو على باب بيتي ليسلمني رسالة. انا اسلم عليه، أأخذ الرسالة و اشكره طبقا للاعراف و يمضي كل منا في حال سبيله. بغض النظر عن محتوى الرسالة ، ساعي البريد ليس عدوي و لا صديقي.. لا احتاج ان ادخل معه في معركة و لا أن ادعوه إلى منزلي .. كانت لديه وظيفة تجاهي و قام بتأديتها.
افتح الرسالة فأرى انها موجهة إلي من التصلب المتعدد الذي يعيش في جسدي، و انا اعرف مسبقا انها ستكون رسالة ثقيلة دم.. تقول ‘سلام، شخبارج ؟ بدخل في الموضوع مباشره، انتي في بداية الثلاثينات و لم تتعلمي بعد كيف تمضغين الطعام، هذا اذا كان ما تأكلينه يسمى طعاما! مضت سنوات شبابك و انتي لا تعرفين مزاج جسمك و تاكلين أطعمة غير متوافقة معه، اتخذتي قرارت سيئة في طعامك، و تعرضك للملوثات و غيرها. ثم تدخل الرسالة في موضوع القلق المفرط و الميول إلى الاكتئاب الذي لم أقم بحله فعليا إلى اليوم، و تضيف بتهكم ان مفهوم التوكل على الله كان يمكن أن يساعدك إذا قمت بتفعيله بطريقة سليمة و لكنك الأن في منتصف عشرات القرارات السيئة و جرجرتي جسدك معك. الرسالة ليست لطيفة جدا.. توبخني قليلا لاني رغم أنهم أخبروني انهم لا يعرفون علاجا للمرض.. ضللت اطرق نفس الباب لسنوات و سنوات متناسية اني استطيع ان احصل على الدعم المتوفر في الطب الحديث بالإضافة إلى أفرع اخرى من الطب.

و لأنني تفاجأت من لهجة الرسالة التي كانت مزيجا من التهكم و التوبيخ شعرت برغبة ملحة أن انادي ساعي البريد لاصرخ به و هذا بالظبط ما فعلته . فإدراكي قصير المدى حينها ربط حامل الرسالة بمحتواها.
الامراض كلها تحمل رسائل.. بعضها تحمل رسائل واضحة و بعضها تحمل رسائل غامضة تتطلب منا بعض الوقت لنفك شفرتها. هذه الرسائل شخصية جدا و لكن ساشارككم بعض النقاط الموجه لي:
اول رسالة من المرض لي كانت تذكيرا بالآية الكريمة {فلينظر الإنسان إلى طعامه} و أكدت على ضرورة تعديل علاقتي بالله و بنفسي و بالآخرين و تعديل العلاقات لا يعني حذف الناس السلبيين و المستفزين من الحياة لأن (الدنيا ما تمشي بهالطريقة) ولكن يعني استثمار وقت و جهد في العلاقات (صحيح انه بعض الأحيان اول ما يتبادر إلى ذهني عند رؤية وجه أحدهم هو عبارة صبرا جميلا والله المستعان و لكنني لازلت اعمل على الموضوع هذا).
صحيح نحن نشعر بالتعب و الضيق و الغضب و الحزن و الفرح و التشاؤم و القلق و التفاؤل و الكثير من المشاعر و لكن ساعي البريد غير معني بها. حقيقتا يبدو أننا نحن من نتشبث به. هناك حوارات يجب أن نقوم بها مع انفسنا أهمها كم من المسؤلية نتحمل في عملية العلاج و كم منها نثقل به عاتق الصيدلاني. هل نرى العلاج كمسؤلية مشتركة؟ ماذا يجب أن أفعل بجانب اخذ الأدوية؟
الأمراض خصوصا المزمنة منها، لا ترحل قبل أن نتعامل مع جميع النقاط المذكورة في الرسالة التي تجيئ معها ، و إذا أحتجنا لسنوات لفهم تلك النقاط و تطبيقها فسيبقى المرض ملازم لنا لسنوات.
التصلب المتعدد يجب أن يرحل و لكن ليس من خلال حروب و معارك بل من خلال الإنصات ثم السير في عملية الشفاء .

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *