هل هناك بديهيات؟ (قصة الميتم)

قبل سنوات بعيدة 🌿 قررتُ أن أقضي بعض الوقت في إحدى المناطق الفقيرة، والقيام ببرامج تمكينٍ لأصحاب الأعمال الصغيرة، بالتعاون مع إحدى الجمعيات الأهلية هناك. كنت قد انتهيت من تحضير ماجستير في ريادة الأعمال، ورغبت أن أنهي تجربتي بنقل العلم لمن هم بحاجته.


.
وضعنا برنامجًا محكَمًا على مدى أسابيع، يتضمن سلسلة من التدريبات، وتأهيل كادر جامعيّ للمتابعة. صباحًا كنت أقوم بتدريب الفئات المستهدفة، وأقضي العصر على الساحل، أو في السوق المحليّ بصحبة أحد المتطوّعين الأجانب، والذين كانوا كلهم بلا استثناء يتطوّعون في الميتم، وتدريس اللغة الإنجليزية في المدارس (رغم أن هناك مدرسين للّغة.. لا أفهم خيارات الأجانب في الأعمال التطوّعية أبدًا 🤔).


.
كانت المنطقة التي استقررتُ فيها متضرّرة من التسونامي بشكل كبير، وعلاوة على الخسائر في البيوت والأعمال، كان هناك الكثير من الوفيات، و”ميتمٌ” مزدحم جدًّا.


.
المهم.. قررت أن أزور الميتم مع إحدى صديقاتي المتطوعات هناك، ووقعت في حب الأطفال ♥️ وأصبحت أقضي الكثير من وقتي المفتوح هناك. .


.
لم يكن المكان سيئًا، ولكنه غريب، إلا أن طاقة الأطفال المرحة كانت تطغى على كل شيئ. لفت نظري أن الأطفال لا يملكون أي شيئ خاص بهم..حتى الملابس كانت تنتقل من طفل لآخر.. لا عَتَب؛ قد يكون هذا هو أفضل ما يمكن للمكان أن يوفّره من ناحية مالية وإدارية 🌿.
.
قررنا – أنا وصديقتي – أن نقوم بمبادرة صغيرة؛ ليتعلم الصغار مفهوم الملكية، وأن يكون لهم بعض الأغراض الخاصة.. فقمنا بالتحدث مع بعض التجّار الصغار في المنطقة؛ ليزوروا الميتم، ويقيموا سوقًا صغيرًا؛ ليتبضّع منه الأطفال، ويقتنوا بعض الحاجيات الخاصة بهم، على أن يكون ذلك بمثابة هدية من أصحاب تلك المحلات للأطفال.
.
بينما كنت مشغولة بالتدريب، قامت صديقتي بترتيب هذا السوق الصغير، وأتذكر أني مازحتها قائلة: إن مهمة الترتيب، وإقناع أصحاب المحلات عليها – كونها أوروبية وشقراء، وهذا يفتح الرزق في تلك المناطق 😂 – و جاء اليوم الموعود، وكنا متحمسين جدًّا، ولكنه كان كارثيًّا بكل المعايير 😁.
.

كنا نفكر في تجربة تسوّق لطيفة مع الأطفال، وكنا نقول كلمة تسوّق، أو shopping ، وكان الأطفال يحرِّكون رؤوسهم إيجابًا، وظننّا أن لدينا فهمًا متبادلًا، ولكن يبدو أن كلمة “تسوّق” لم تكن مقترنة بتعريف معيّن في أذهانهم، فهم غالبًا لم يروا السوق منذ ولدوا، ولم يشتر أحد شيئًا لهم، كل ما يأتي للميتم هو ملك للميتم.
.
طبعاً تداركنا الوضع، وانتهى كل طفل بغرض خاص به، أو هكذا اعتقدنا، ولكن في زيارتي التالية رأيت الأغراض التي اشتَروها تُتناقل بين الأطفال؟ّ!
.
كنت مصرّة على أن يحظى كل طفل بشيئ خاص به يكون ملكه.. لا أعرف لماذا كانت هذه النقطة تزعجني: “أن لا يعرف طفلٌ مفهوم الملكية”.. كنت أفكر: أنهم غدًا عندما يكبرون قد يسرقون؛ لأنهم لا يعرفون ما معنى أن يكون شيئ ما ملكًا لشخص آخر، ثم يعاقبَون؛ وهذا ظلمٌ.. لا يوجد شيئٌ بديهيٌّ.. لا يوجد شيئ اسمه: common sense.
.
رجعت البحرين، وقررت أن أحلّ هذا الموضوع، ولو بشكل جزئي .. فكّرنا كثيرًا، وقرّرنا أن نقوم بخياطة  security blankets، أو لحاف الأمان للأطفال، بحيث نستخدم قماشًا سعيدًا، ونرسم رسومات طفولية على اللحاف، مع كتابة اسم كل طفل على لحافه.
.
قامت الوالدة بتبني هذا المشروع، ورسمت وخاطت جميع اللُّحف، مع التأكد من وضع جرعة حبّ كبيرة في كل غَرزة.. قمنا بذلك لجميع أطفال الميتم من كل الأعمار، وأرسلناها لهم ♥️ أخيرًا حظِي كل طفل بشيئ.
.
كان الأمر برمّته نقطة انعكاس بالنسبة لي…
.
هناك الكثير من الأمور الخاطئة التي تحدث أثناء التطوّع في دول أخرى، وهناك نظرة أو فلسفة استعمارية متجذّرة في الكثير من الخيارات التي قد يقوم بها الفرد، حتى مع وجود حسن النوايا..  يتبع.. لديك مشكلة قائمة منذ عشر سنوات أزعجتني، وأنا سأفكر في حلٍّ خلال دقيقة، وأطبقه في ١٥ دقيقة، وليترتّب على ذلك ما يترتب ☕. .

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *