الاختلاف في تصنيف الأطعمة
يحدث أن يجد الباحث اختلافًا في تصنيف أمزجة بعض الأصناف الغذائية بين مصدر و آخر. قد يكون الاختلاف في كون الصنف باردًا أو حارًّا، قد يكون الاختلاف في درجة (مقدار) الحرارة أو الرطوبة. هناك عدة أسباب لبروز هذه الاختلافات، منها:
١. المنطقة الجيوغرافية : الصنف ( أ ) قد يكون حارًّا جدًّا بالنسبة لسكان المملكة المتحدة المتسمين بالبرودة والجفاف، ولكن ذات الصنف يعتبر شبه معتدل بالنسبة لسكان منطقة أخرى مِمّن يتسمون بالحرارة؛ وعليه يؤثر كون المُصَنِّف من سكان هذه المنطقة أو تلك على طريقة تصنيفه للصنف الغذائي.
تربة المنطقة الجيوغرافية قد تؤثر على نوع الثمار في نفس الإقليم كمثال: التفاح الأحمر قد يكون رطبًا أو جافًّا؛ إذا زُرِع في مناطق مختلفة من ذات البلاد.
مثال آخر: أسماك البحار باردة بالأولى ورطبة بالثانية عمومًا، بينما أسماك الأنهار أكثر برودة (ربما باردة بالدرجة الثانية). في حال كان المُصَنِّف من سكان مناطق جبلية قريبة فقط من الأنهار؛ فغالبًا سيصنِّف السمك َباردًا جدًّا، بيننا يصفه مُصَنِّفٌ من سكان السواحل البحرية كبارد قليلًا.
حرارة وبرودة الأرز كمثال آخر: تعتمد على منطقة زراعته. الأرز المزروع في البلدان التي يتّسم السكان فيها بالبرودة تميل لأن تكون حارَّة، بينما الأرز المزروع في المناطق التي يتّسم السكان فيها بالحرارة مثل: بعض مناطق الهند وباكستان يميل أن يكون باردًا.. لا تذكر جميع المصادر هذا؛ بل قد يكتفى مصدر هندي بذكر: أن الرز بارد جافّ، و يرى الباحث تعارضًا في ذلك مع المذكور في مصادر أخرى.
٢. المزاج الأوّلي والمزاج الطارئ : سمك البحار بطبيعته بارد بالدرجة الأولى، وهذا مزاجه الأوّلي أي: ما ينبغي أن يكون عليه، ولكن مع تلوّث البحار، وتأثير عوامل أخرى؛ أصبح أكثر برودة، وهذا ما يسمّى: المزاج الطارئ؛ لذا يحدث هناك خلافات في المراجع حول تصنيف درجة برودته. هناك اختلافات أشد في تصنيف بعض الأصناف الأخرى مثل: لحم البقر – الربيان – ولحم البط، وغيرها.
٣. الفترة الزمنية : ربما لم يطرأ تغيير في مزاج صنف معيّن، ولكن طرأ تغيير على مزاج سكان منطقةٍ ما (عادة ما يكون تغيّرًا نحو البرودة)؛ بسبب التلوّث، وانخفاض جودة الطعام، وغيرها من العوامل. هذا يعني: أن حرارة أو برودة صنف ما، بالنسبة لسكان منطقة جيوغرافية سابقًا؛ لم يعد صحيحًا، وقد ينعكس هذا في المصادر: إذ قد تذكر المصادر القديمة العلاقة السابقة، أما المصادر الحديثة فقد تذكر العلاقة الحاليّة.
٤. عبث الإنسان : أسهل مثال على هذا: هو القمح. المفترض أن يكون القمح المجفّف حارًّا بالدرجة الأولى، ومعتدلَ الرطوبة والجفاف، ولكن هل هناك قمح تُرِك وشأنه هذه الأيام؟! العبث الجينيّ، والمبيدات؛ غيّرت من طبيعته، ودفعته نحو البرودة. أضف إلى ذلك أن دقيق القمح غالبًا لا “يُدقّ”، بل يكسر بشفرات سريعة، وهذا يضفي عليه برودة مصنعية؛ وعليه قد نجد بعض المصادر تذكر طبيعته الجبليّة، أو كما يجب أن تكون، ومصادر أخرى تصنّفه على أنه بارد، وهي الطبيعة المرجَّحة له في الوقت الراهن، وليس هناك تعارض.
٥. الوصف غير الكامل: قد تذكر إحدى المصادر: أن التفّاح حارّ، وتذكر أخرى: أنه بارد. هل أحدهما مخطئ؟ ليس بالضرورة: التفاح الأحمر حلو المذاق، حارٌّ بالأول، ورطب بالثاني، بينما التفاح الأخضر الحامض بارد وجاف بالدرجة الثانية. هناك الكثير من الثمار والأصناف المختلفة من ناحية المزاج، ولكن هي تحت مسمًّى واحد (مثل: التفاح، والرمان، والعنب)، وقد لا تذكر المصادر أوصافًا كاملة لها لعدة أسباب؛ أبسطها: أن الأنواع المختلفة من تلك الثمار لم تكن رائجةً في ذلك الوقت والمكان؛ وعليه فلم يكن هناك حاجة لتدوينها.
٦. الأثر الأول والأثر الأخير: بعض الأصناف الغذائية لها تأثير في الوهلة الأولى، مغاير لتأثيرها النهائي، وقد تختلف المصادر في تصنيفها؛ إذ أن البعض قد يذكر التأثير الأول فقط، والبعض الآخر قد يذكر التأثير النهائي لها . مثال آخر: هو التبغ كونه حارًّ وجافًّا بالدرجة الثالثة، أي: حارًّا و جافًّا جدًّا، ولكن في الوهلة الأولى فقط.
ناقشنا جوانب الاختلاف المحتملة بين المصادر في تصنيف أمزجة الأطعمة، وسنتحدث هنا عن كيفية التعامل مع ذلك؟.
بداية، لنتذكر أن هذه علوم من وضع الإنسان؛ وعليه فإن احتمال كون أحد السيناريوهات المذكورة في المنشور السابق – ببساطة – خطأً بشريًّا وارد، ولو كان المصدر من أحد كبار الأستاذة، كما هو الحال مع جميع العلوم الأخرى.
أشارككم هنا طريقة تحليلي للأمور، ويمكن للقارئ أن تكون له طريقتة الخاصة التي يراها أكثر منطقية :
١. أطّلعُ على مصادر مكتوبة بأكثر من لغة؛ ليكون عندي فكرة أوسع عن تصنيف الصنف في أقاليم مختلفة.
٢. إذا كان هناك اتفاق في مصادر حديثة على مزاج معين من أساتذة ممارسين ومعتَمدين؛ فإني أرجّحه على المصادر القديمة؛ فالمصادر الحديثة الجيدة تأخذ جميع المصادر المعتمدة السابقة، وتضيف لذلك أي تغيّر طرأ – كما ذكرنا في مثال الربيان -.
٣. لا أبالغ في تناول المنتجات غير المتفق عليها، أو غير المصنّفة؛ لكي لا أتضرّر في حال كانت ذات مزاج مغاير لما يحتاجه جسمي، كما أحرص أن آخذه مع مُصلِحاته.
٤. في حال لم أجد تصنيف الصنف في المراجع الموجودة عندي – كما حدث عندما كنت أبحث عن مدى ملائمة بذور الشّيا لي – أستعين بمصادر موثوقة من علوم شقيقة مثل: الطب الايرفيدي؛ لمعرفة ما إذا كان صنف معيّن يناسب حالتي الصحية أو لا؟.
٥. أذكِّر نفسي أن هذا العلم واسع باتساع الحياة على هذا الأرض، وكونه قديمًا؛ فقد خرجت منه عدة مدارس. في بدايات قراءاتي حلّلت عدة كتب من عدة ممارسين معاصرين، والآن هناك أساتذه أثق بهم أكثر من غيرهم، وأرجّح التصنيفات الموجودة في كتبهم على غيرها، والأفضل أن يقوم كل باحث بهذه العملية بشكل منفصل، عوضًا على الاعتماد على غيره، ويشمل ذلك هذه الصفحة.
استجابات