الحلقة الخامسة : أطباع الجسم الثلاث – بارد و حار و معتدل

أطباع الجسم الثلاث (بارد وجار ومعتدل)

 

يقسم ابن سينا الأشخاص حسب (الطبع) إلى ثلاثة أصناف وحسب (المزاج) إلى أربعة أصناف.

الطبع

الطبع مصطلح طبي قديم يختلف عن المعنى المتداول، وهو حالة وراثية مكتسبة من أحد الوالدين أو كلاهما، ويتأثر طبع الإنسان بالبيئة، وضع الماء والهواء، العوامل الجغرافية والإقليمية، درجة الرطوبة بالإضافة إلى الآداب والسنن المتبعة فيما يخص تناول الطعام والنوم واليقظة وغيرها.

ينقسم الطبع إلى بارد وحار ومعتدل.

يصنف أغلبية الناس بالطبع البارد، ويعني هذا أن أجسامهم تميل للحمضية بينما الأقلية تميل للقلوية، والنادر منها في مركز الاعتدال.

هناك الكثير من الأبحاث المطروحة في حمضية / قلوية الدم، تأثيرها على الصحة وكيفية تعاطي الجسم مع الحالتين، وهي متوفرة لاطلاع العامة، وبشكل عام فإنه من الضروري ملاحظة أن مستوى (ال بي اتش) في الدم قابل للقياس في المختبرات الطبية إلا أنه أيضا قابل للتغير بسهولة، ويتأثر بأبسط العوامل مثل الحالة النفسية والغذاء.

لذلك يصعب تحديد حمضية / قلوية الدم من إجراء اختبار مخبري واحد لأنه سيفيد في معرفة حالة الجسم في فترة الاختبار فقط، سيتم مناقشة كيفية معرفة طبع الإنسان من خلال علائم أخرى في المواضيع القادمة.

حمضية وقلوية الدم تكون في مدى بسيط جدا حول نقطة الاعتدال إذ أن الإفراط في الحمضية أو القلوية تؤدي إلى مضاعفات شديدة وآنية، والأجسام الباردة أكثر عرضة لأمراض الجهاز المناعي المزمنة، حيث أن الجهاز العصبي يتسم بالبرودة أي يميل للحمضية ويتكون بمجمله من خلط بارد (راجع الموضوع السابق).

 لهذا فإن الأطعمة الباردة تحدث خللا سريعا في هذا الجهاز الحساس وعليه يوصى المصابون ببعض الأمراض المناعية مثل التصلب المتعدد بتناول أطعمة حارة، ولا يعني هذا الفلفل أو الطعام المطبوخ بل يشير إلى الطبيعة الذاتية الحارة كما سيرد شرحه في المواضيع القادمة.

من المثير للاهتمام أنه عندما يكون الجسم مائلا للحمضية فإن الشخص يرغب بأطعمة باردة تزيد الحمضية في الجسم عوضا عن معادلته.

 فمثلا عندما يكون شخص ما حزينا أو قلقا فإنه يميل إلى تناول ال Comfort Food  مثل الشوكولا ، الكعك ، البطاطا و غيرها وهذه أطعمة تعطي شعورا مؤقتا بالراحة ولكنها تزيد من برودة الجسم وتحدث أثرا عكسيا، لذا وضع ابن سينا قانونا فيما يخص الرسائل التي نسمعها من أجسامنا يقول:

إذا كنت في حالة صحية سليمة (جسديا ونفسيا) فكل ما تشتهيه، ولكن إذا كنت في حالة صحية سيئة (جسديا ونفسيا) فكل عكس ما تشتهي.

إحدى تجاربي الشخصية مع المرض أنني كنت اطلب السمك والصبار (المخرخش) والعناب بشدة، ونظرة سريعة على ما كنت أتناوله يبين ميولي للطعام البارد، آخر هجمة تعرضت لها كانت بسبب الإفراط في تناول العناب وسأتطرق إلى هذا في موضوع منفصل.

رغم أن الطبع الأساسي حالة وراثية (مثلا أنا جسمي بارد وهكذا سيكون دائما) إلا أنني أستطيع تجنب الأمراض التي أكون أكثر عرضة لها بسبب هذا الطبع عن طريق تناول أطعمة وممارسة سلوكيات تهدف إلى موازنة الحالة عوضا عن تشديدها.

 للتوضيح أنا ولدت بطبع بارد ولأنني لم أكن أعي هذا قمت بتناول أطعمة ذات طبيعة ذاتية باردة بدون مصلحاتها، وقمت بممارسات تزيد البرودة في الجسم، وخضت حالات نفسية تزيد البرودة أيضا مثل التوتر والاكتئاب وغيرهما لمدة سنين.

 بالنتيجة عوضا أن أحسن من حالة جسمي وأجعلها أقرب للاعتدال قمت بالتعمق في البرودة إلى أن وصلت الى الوضع الذي أنا فيه، وهو مريضة تصلب متعدد. والآن لأنني أعي السبب أستطيع أن أعمل على إصلاحه.

يذكر إبن سينا في كتابه بعد شرح الأطباع ’و أنت تفهم من هذا ان الاعتدال أشد مناسبة للحرارة منها للبرودة من المهم ملاحظة أن طبع جسم يعتمد على الميول الحمضية والقلوية للدم بالإضافة إلى مستويات الأخلاط، فارتفاع كل أو أحد الأخلاط الباردة مثل البلغم أو السوداء يساهم في برودة الجسم، وارتفاع أحد أو كل الأخلاط الحارة مثل خلط الدم أو الصفراء يساهم في تقريب الجسم نحو الحرارة.

الفرق بين الطبع و المزاج

مصطلح (المزاج) يأتي من كلمة مزج أي دمج وخلط، وهو ليس وراثيا مثل الطبع بل عارضا، ويمكن أن يغلب مزاج ما على الفرد في فترة معينة من حياته، ويغلب مزاج آخر في فترة أخرى.

 يحدد المزاج مستويات الأخلاط الأربع في الجسم وهم الدم (الهوموجلوبين)، ومكانة القلب والعروق، الصفراء أو المرة (البيليروبين) ويتخزن في المرارة والبلغم، و(كريات الدم البيضاء) والسوداء وهو ميزان رسوب الدم ومكانة الطحال والعروق، ففي حال غلبت أحد الأخلاط على الباقي يوصف الجسم بوصف الخلط الغالب فنقول فلان صفراوي أو بلغمي أو دموي أو سوداوي.

تم تناول موضوع الأمزجة في المواضيع السابقة، وسيتم التطرق إليه بتفاصيل أكثر في المواضيع القادمة، سيتم التوسع في طبيعة الأطعمة الحارة والباردة في المواضيع القادمة أيضا، ولكن كمرجع سريع لتصنيف الأطعمة المتداولة الرجاء مراجعة موضوع أمزجة الأطعمة كما ورد في طب ابن سينا. وللاستزادة في هذا المجال أنصح بالبحث في (ال بي اتش) الحالات الحمضية والقلوية للجسم وتأثيراتها على وظائف الأعضاء والصحة بشكل عام.

الموضوع مقتطف من شرح كتاب القانون في الطب

 

 

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *