نظرة مختلفة للتحدّيات السلوكيّة والنفسيّة
فلنتصور معًا رجلًا يقف على أرضيّة رخاميّة ملساءَ، مسكوبٍ عليها زيت. يحاول هذا الرجل المسكين أن يمشي على هذه الأرضية، ولكن طبيعتها الزَّلِقة تجعله يتزحلق، ويسقط مرة تلو الأخرى.
.
هذا الرجل غير واعٍ للمشكلة الموجودة في بيئته (الأرضية الملساء، والزيت المسكوب عليها)، وبطبيعة الحال يريد أن يحل المشكلة فيبدأ بطلب النصيحة: الشخص الأول قال له: البس خوذة؛ لكي لا ينكسر رأسك عندما تسقط المرة القادمة. الثاني قال له: إيمانك بالله ضعيف، لو كان إيمانك قويًّا ما كنت لتسقط. والثالث قال له: عليك بتحليل الأمور بطريقة مختلفة، تفكيرك فيه خلل. والرابع قال له: ….
.
أخذ صديقنا هذا جميع النصائح بعين الاعتبار، تحسّن وضعه الروحي والنفسي قليلًا، ولكنه تزحلق مرة أخرى وانكسر أنفه!
.
لم يخطر في ذهن أحد أن ينصحه بتعديل البيئة التي يعيش فيها؛ ليحلّ ثلاثة أرباع المشكلة، ولتكون الأرضية صحيحة؛ لتثمر فيها نتائج تعديل طرق التفكير والعلاقات بالله، والمجتمع، وو….
.
هذا الرجل هو أنا وأنت عندما نريد تعديل مشاكل سلوكيّة ونفسيّة؛ بعيدًا عن تعديل البيئة الداخلية للجسم.. سيحدث تحسّن ولكنه سطحيّ، ويحتاج ل maintenance ودعم دائمين.
.
نتناول علاقة المشاكل السلوكيّة والنفسيّة؛ بأطباع الجسم والأمزجة الغالبة في هذه السلسلة القصيرة. .
ترتبط المشاكل السلوكيّة والنفسيّة بغلبة خِلْط أو أكثر عند الشخص (ممكن أن يكون في غلبة أو طغيان لأكثر من خِلْط في ذات الوقت ). .
.
مثلًا: القلق والاكتئاب الدائمين ينشأان من غلبة خِلْط السوداء، أو البرودة والجفاف (انظر الصورة ٢). إذا كان جسمك في وضع مفرط البرودة والجفاف؛ أرجِعْ هذا الخِلْط لمستواه الطبيعي، وتكون قد قطعت شوطًا كبيرًا في حل المشكلة.. يعني: قطعت ٨٠٪ من الطريق، وتكون بعدها مهيئًا لتعديل تفكيرك، وعلاقتك بربك، ومجتمعك، وجميع الخطوات الأخرى التي تريد القيام بها (غلبة الأخلاط الحارّة تجعل الشخص أكثر ميلًا للعرفان عمومًا). .
.
مثال آخر: الشخص العصبيّ الذي لا يتحكم بلسانه ونبرة صوته، وعلاقاته مهزوزة بمن حوله؛ لن يستفيد من الموعظة والاقتراحات المبعثرة، قدر استفادته من الحجامة والحميات التي تخفض وتعادل حرارة الجسم؛ في حال كان هذا هو سبب الخلل في البيئة الداخلية للجسم. .
.
الطفل الذي يعاني من فرط الحركة، وقلة التركيز، لا يحتاج أدوية بالضرورة؛ قدر حاجته لتجنب تناول الأطعمة التي تزيد تطرّف مزاج جسمه، والذي غالبًا ما يكون حارًّا، بالإضافة لبعض المساحة؛ لكي يقفز فيها (استشر طبيبك وعقلك). .
.
الشخص الذي يستصعب النهوض لعمله صباحًا؛ قد يعاني من غلبة البرودة والرّطوبة (زيادة في البلغم)، وهذا لن يتعدّل بشكل أساسي؛ إلا إذا أُصلح جذر المشكلة..حلّ هذا الموضوع في المطبخ، أكثر من كونه في قسم الموارد البشرية. .
.
و هكذا.. وهكذا..
.
و أنا هنا لا أقول: إن تعديل النظام الغذائي؛ سيحل أي مشكلة بشكل كامل، ولكن إذا كان سبب المشكلة هو خلل في البيئة الداخلية للجسم؛ فالحلّ يجب أن يكون بإصلاح البيئة الداخلية للجسم، وليس حلولًا ترقيعيّة مبعثرة؛ ولذا أتمنى (أمنية حياتي والله🙏) أن يتم تدريس علم الأمزجة في المدارس والجامعات لجميع التخصصات؛ لأنه مرتبط بكل شيئ من: طبّ – إدارة – علم نفس – تدريس… . كل صاحب مهنة سيكون أفضل في عمله؛ إذا كان متسلّحا بهذا العلم. .
.
قبل أن تُملأ “الكومنتات” بمن يقولون: العلاقة بالله قبل كل شيئ، خصوصًا فيما يخص إدارة الحالة النفسية.. أحب أن أوضح أن هذه ليست نقطة خلاف، ولكن نقطة الخلاف: هي في وضع الأمور في النّسق الصحيح لها .. لاحظ النقاط التالية:
.
أولًا: علاقة الطعام بالعبادة والعمل الصالح كما ذُكرت في القرآن الكريم هي علاقة مباشرة (انظر الصورة ٢)، ولاحظ كلمة “كلوا” دائمًا تسبق الأمر أو الفرض (لن أفصّل أكثر؛ كون هذا خارج توجه الصفحة، ولكن تدبّر أنت في الآيات المذكورة 🙏).
.
ثانيًا: نحن أُمرنا أن نأكل طعامًا حلالًا طيبًا: الحلال معروف، ويتم الالتزام به، ولكن هل نتناول طعامًا طيبًا؟ من الآخر: لحم البقر غير طيّب – دجاج وبيض المكائن غير طيّب – السكر المكرر، والمعلّبات والمواد الحافظة والمهرمنة، والتي تسبب لك ألف علّة كلها غير طيّبة، وغالبًا ثلاثة أرباع مطبخك غير طيّب (أفترض أنا 🙄) . كُن ضمن المنظومة الربانية للصحة والغذاء، ولا أحد يريد منك شيئًا، ولا حتى جسمك، ولكن طالما أنك شاذٌّ عن الفطرة والطبيعة؛ فلا تتوقع أن يستقيم حالك بأي خطوة ترقيعيّة.
.
ثالثًا: ما هو خيارك.. هل تريد جسمًا قادرًا على الإقبال على العبادات؟ أم جسمًا آخر عبارة عن مشروع يجب أن تديره أولًا؛ لتقوم بعباداتك؟ إذا كان ذهنك مشتّتًا في الصلاة؛ لأن لديك ازدحامًا من الأفكار السيئة، ربما تستفيد من خفض البرودة والجفاف. إذا كنت تستصعب النهوض للصلاة خصوصًا الفجر؛ لأن جسمك ثقيل خامل، فأنت غالبًا تحتاج لخفض البرودة والرطوبة. إذا كانت لديك صعوبة في السيطرة على بعض الشهوات التي يجب أن تكون مقنّنة في إطار الزواج؛ فقد يكون هذا لغلبة الدم أي: الحرارة والرطوبة، وهكذا…
.
بدلًا من أن تجعل حياتك مليئة بالمعارك الصغيرة التي يجب أن تخوضها وتنتصر فيها: التركيز في الصلاة معركة. النهوض فجرًا معركة. كبح الشهوات معركة. الحلم والهدوء معركة. تجنّب سوء الظن معركة. لماذا؟ (بالبحريني.. شالله حادّك 🤔؟) .. رتب أمورك بحيث لا تكون هناك معارك.
.
لأشارككم قصة قصيرة: يحكى أن أحد الشيوخ كان يلقي محاضرة في الدين والأخلاق، وجاءه شخص طالبًا أن ينضم لهم؟ فرحّب به، ولكن طلب منه أن يذهب لحلقة التدريس الأخرى أولًا؛ ليتعلم أصول التغذية، ويصلح مزاج جسمه المتطرّف، ثم يأتي ليتعلم الدين والأخلاق؛ من باب إصلاح التربة قبل وضع الغرس.
.
فقط.. سلامتكم 🌷🌿
استجابات