الدراسات والأبحاث (نظرتي الشخصية)

استضافتْني إحدى المجموعات النسائية الملهِمة قبل يومين، وخضنا معًا نقاشًا جميلًا ومُثريًا حول عدة محاور مرتبطة بالصحة والتعافي☺️.

أثناء النقاش طرحت إحدى العزيزات مشكورة سؤالًا مهمًا، أحب أن أشاركه معكم هنا؛ لنسهب فيه. كان مفاده: “أنا أثق بالأطروحات المدعّمة بالدراسات والأبحاث، ولكن الطب القديم والوظيفي غير مدعّم بدراسات كافية.. كيف تتّبعينه؟”

بداية، أنا ممتنّة لها؛ لإثراء النقاش، وطرح استفسار يعطينا فرصة للحديث في أبعاد أوسع من المعتاد ♥️🙏. وأحب أن أشارككم: أني أتّبع جميع أنواع الطب، كلًّا في المجال الذي يخدمني، ولكن أتفهّم وجهة نظر الأخت   وأحترمها، رغم أني لا أتفق معها. أشعر أني وصلت لمرحلة لا آخذ المواقف و الآراء بالكثير من الجدّية، بما في ذلك المواقف والآراء الخاصة بي (عدا تلك المتعلقة بالمبادئ والقيم، والاعتبارات الإنسانية الخ)؛ إذ أن مواقفنا تجاه الأمور العملية متغيّرة بتغيّر المعطيات، وبمقدار فهمنا لتلك المعطيات، وقدرتنا على إعمال تحليلٍ صحيحٍ لها.

لأجيب على سؤال العزيزة، ولأتناول ظاهرة تقديس الأبحاث والدراسات؛ سأتحدث من مُنطلقين: الأول/ هو تجربة ١٠ سنين في رحلة التعافي.          والثاني/ من منطلق مؤهلاتي، وطبيعة عملي.

“آلاء” التي شُخِّصت بالتصلّب المتعدد قبل ١٠ سنين، ودخلت في رحلة تعافٍ بين الطب الحديث والقديم، والطب الوظيفي. والآن – بلطف الله – تعيش حياةً صحيّةً سليمة. قصتها مبعثرة في جميع أنحاء هذا الصفحة، ولكن الخلاصة: هي أن ما نفع حالتي لم يكن خط الأدوية الصيدلانيّة (شخصيًّا، وهذا ليس للتعميم رجاءًا 🙏). ولا يمكنني أن أنكر تجربتي في الحياة، وتجارب الآخرين التي اطّلعت عليها؛ لأنها لا تبدو مهيأة لأن تُنقل في “جورنال” علمي☺️ (لاحظ: أن هذا الحساب لا يقدم توصيات بشأن الأدوية، اسم الحساب هو: “مدوّنات التعافي”، أي: يحوي سردًا، وتدوينًا لتجربة فردية، وانعكاسات شخصيّة؛ فاستشر طبيبك دومًا).

ثم هناك د. الآء الباحثة وال research methodologist، خرّيجة إحدى أرقى الجامعات البريطانية – والمتخصّصة في تصميم ومراجعة البحوث لطلاب درجة الدكتوراه – هذه الأخيرة: كيف ستقتنع أن الدراسات والأبحاث شيء مقدّس؟

ما أدري لماذا تحضرني عبارة: “على هامان يا فرعون؟ ما احنا دافنينو سوا 🤭🙈😅”، في المنشور القادم سنتحدّث أكثر عن الجانب العملي من تصميم الدراسات والأبحاث؛ طبقًا للمعايير العالمية، وبغض النظر عن موضوع البحث، حيث أشارككم معلوماتٍ – وليس وجهات نظر – من منطلق باحثة وممارسة، دون التطرّق لخياراتي الشخصيّة ..

“👈 كل” بحث علمي يشمل جوانب قوة، وجوانب ضعف، كما أنه يشمل قِسمًا تحت عنوان: الافتراضات أي assumptions وهذه افتراضات يضعها الباحث؛ ليبني عليها، وهي من اسمها “افتراض” أي: تحتمل الصحة والخطأ.

على سبيل المثال – وليس الحصر  -: نقوم ببحثٍ يشمل لقاءات شخصية، هنا يجب أن نفترض: أن الشخص يقول الحقيقة، وأنه ليس لديه دافع غير معلن عنه للاشتراك في البحث، وليس لديه سبب يدفعه لتقويض المخرجات، وأنه يستطيع فهم الأسئلة بشكل صحيح، كما يستطيع أن يعبر عن نفسه بشكل صحيح.. الخ. حسنًا، هذه كلها افتراضات تخصّ مرحلة جمع البيانات، أي: ركيزة الدراسة، وهي تحتمل الصواب أو الخطأ .. حسنًا: “وين اللّي الدراسات والأبحاث شوي وبتصير عندهم كلام الله 🤔؟”

ثم هناك قسمان آخران تحت عنوان: limitations و delimitations أيضًا يذكران حدود البحث من ناحية التأطير الذي يقوم به الباحث؛ ليستطيع أن ينجز البحث في وقت معين، وباستخدام موارد معينة، بالإضافة إلى التحدّيات الموجودة على أرض الواقع. يمكن للمهتمين البحثُ عن أبعادهما أكثر باستخدام أيّ محرك بحث. طبعًا، أنا لم أتطرّق لمواطن الضعف الكثيرة الأخرى مثل: الأدبيات أو ال literature: حيث يتم بناء نظريةٍ استنادًا للأدبيات الموجودة، ولكن لا يتم حذف هذه المخرجات؛ في حال تم نسخ وإسقاط إحدى الأدبيات التي بُني عليها في وقت لاحق. يعني: أنا أبني بيتًا على أسس معينة، وبعد سنوات أكتشف أن تلك الأسس كانت مزيّفة؛ ولكن لا أزال أفترض أن البيت سليم؟!.

والذي يعتقد أن هذه ممارسات موجودة في الجامعات ومراكز البحوث الضعيفة؛ أحب أبشركم أن جميع البحوث يجب أن تقرّ بجوانب الضعف التي فيها؛ لتحصل على رخصة نشر، وهناك تأكيد أكبر على ذلك في الجامعات   ومراكز البحوث القويّة، وموضوع: الأدبيات – تضارب المنافع – التأثير المبطَّن للجهات المموِّلة، وجوانب تحدٍّ أخرى “كثييييرة” لا يسع المجال لذكرها هنا؛ هي تحدّيات متّفق على وجودها في مجال البحث العلمي،      وهي من الأمور التي يتم النقاش فيها على نطاق واسع؛ لإيجاد حلول،        وجوانب تطوير، وليس في نطاق: هل هي فعلًا مشكلة موجودة أم لا؟.

على فكرة: لو كان عمل “س” من الناس يتطلّب منه قراءة الكثير من الأبحاث العلمية لعمله، أو تطوّره الوظيفي، أو…الخ؛ فهو غالبًا ليس جزءًا من الحوار الدائر أعلاه، وليس على علم بجميع أبعاده 👆. الأشخاص الذين يعملون في مجال تصميم وتنفيذ ومراجعة الأبحاث العلمية هم الأكثر وعيًا  و درايةً بهذه الثغرات، ومدى جدّيتها؛ من الأشخاص الذين يقرؤون الدراسات و الأبحاث، ولو بكثرة.

ولكن هل ما سبق يعني: ألّا نأخذ الأبحاث العلمية بشكل جادّ؛ بسبب وجود تلك الثغرات؟ بالطبع، لا.. ليس هذا هو القصد أبدًا.. انتبه✋🚫 الدراسات والأبحاث ساهمت في تقدم البشرية، والارتقاء بها – على جوانب القصور الموجودة فيها -، وكنا سنكون في العصر الحجري؛ لو لم يكن هناك جامعات ومراكز أبحاث. المطلوب: أن نبتعد عن التقديس والانبهار، ونتّجه للتقدير والتحليل، وأن نتعاطى بشكل منطقي وعقلاني؛ لنستفيد من الطرح بشكل صحيح، وكما ينبغي له أن يكون.

هذه السلسلة تحمل دعوة لطيفة لجميع مرتادي العلوم 🤗

🌼 هذه دعوة لنتذكّر: أن الأبحاث العلمية على فائدتها، والنوايا الطيّبة التي قد تكون دافعًا لها، هي علوم بشرية قاصرة؛ بسبب قصور البشر؛ لذا يجب أن نقدّرها، لا أن نقدّسها، ويشمل هذا: أنواع الطرح الأخرى مثل: العلوم القديمة، والعلوم الطبيعية، والطب الوظيفي، وكل العلوم الوضعيّة التي تخطر على البال. نقدّرها جميعًا، ونوظّفها لخدمة الإنسانية، ولكن لا نقدّس أيًّا منها، ولا نعطي حامليها مرتبة اجتماعية عالية زيادة عن اللزوم؛ لأنه عندما نبدأ بتقديس الأفراد، ورفع منزلتهم بشكل مفرط؛ نفقد القدرة على انتقاد الطرح المقدّم من قبلهم، وهذا لا يخدم أحدًا (أتحدث عن نفسي هنا: أصبح أمام اسمي كلمة دكتورة، “سو وات؟” .. خير يا طير يعني 🤔).

🌼 هذه دعوة لأن نتذكّر: أن الإنسان كائن روحاني وعاطفي، لا يمكن قياس كل تجاربه في مختبر، ولا يمكن تحجيم المتغيّرات التي تؤثر على صحته     ومرضه، وحشرها في معادلة بمتغيّر واحد: “سوري.. اشلون بتضبطونها هذي 🤭؟”.


🌼 دعوة: لترك التعنّت، وللتواضع للحق في كل شيئ. شخصيًّا أُذكّر نفسي دومًا بالخطيئة الأولى، عندما قال الرب لإبليس: اسجد لآدم؟ ورفض؛ لِكبْرٍ في نفسه، وقال: خلقتني من نار، وخلقته من تراب. كان يظن أنه خير منه،    وأنا كذلك: كنت في وقتٍ ما مُعتدّةً جدًّا ب “جوّ” البحث العلمي، ولم أشأ أن أصدّق أن وصفة دعم التعافي لي قد تكون في مطبخي، أو في دكّان عطار، وليس بين ثنايا جورنال عالمي يستخدم كلمات – كلُّ واحدة منها أطول من الثانية -. وأتذكّر: أنه كلما قامت الجامعة بتعقيد الأمور أكثر؛ كلما زاد عندي الوهم: أنني فعلًا أقوم بشيئ أكثر إحكامًا، كلما “طلعتْ روحي” أكثر مع متطلبات الأبحاث والنشر؛ كلما توهّمت: أن خط الدراسة والأبحاث هو الصحيح، ولا شيئ آخر.

ليس سهلًا عليَّ أن أقضي ما يقارب السبع سنوات في البحث العلمي،       وأصرف ثروة صغيرة على دراستي، وأنقطع عن الحياة الاجتماعية، ثم آتي  وأقول: إن هناك الكثير من الثغرات في الأبحاث، وأن الموضوع كلّه في غاية الهشاشة. ولكن هذا هو الواقع، وأنا هنا أشارككم من باب “شهد شاهد من أهلها”.

الحق والصح، ليس من الضروري أن يعجبنا، أو يشبهنا، أو أن يكون ملائمًا للتصور الموجود عندنا عن “برستيجنا” وصورتنا الاجتماعية. نحن يجب أن نطوّع أنفسنا للحق، لا أن نطوّع الحق لنا 🙏 “بديت أتفلسف.. سوري.. ننتقل للّي بعده🤭”.

🌼 دعوة: أن نستفيد من تراكمات المعرفة الإنسانية كلها دون حذف مكوّن كبير منها؛ لأن ذلك سيجعلنا نبدو غير مثقفين، وغير علميّين، والحقيقة: أنه كلما زاد علمنا؛ زاد وعينا بجوانب القصور والتحفظ، وزادت مسؤوليتنا للفهم والتطبيق بشكل صحيح ومتوازن.

🌼وأخيرًا، هذه دعوة: أن نتأمل في تراثنا الإنساني، وفي القرآن؛ بحثًا عن التعافي، وليس انصرافًا عن العلاج. دعوة: للتدبر في الآيات التي تتحدث عن الطعام والشراب، وطمأنينة القلب، والوفرة، والرزق، والتوكل، والصلاة،     وعودة الإنسان للفطرة، حيث هو أقرب لله ولنفسه.

👈 قد لا نتمكن من علاج التصلّب المتعدد، والروماتيزم و غيرها من الأمراض، ولكن المصاب بأيّ من هذه الأمراض بالتأكيد ممكنٌ شفاؤه كإنسان 🥰.

و سلامتكم.. وشكرًا للجميلة التي طرحت هذا السؤال المهم، كل الحب       والتقدير لها؛ لرحابة صدرها، ولإثرائها النقاش 🤗

تعبت من الكتابة.. يالله دوركم ☺️

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *