إحياء الروح في سبيل التعافي
نتحدث اليوم عن تغذية الروح بما يساعدها لترتقي؛ كون الروحانية والعلاقة بالله – سبحانه وتعالى – أحد أسباب التعافي.
نحن جميعًا على نقاط مختلفة من خط الارتقاء الروحي، وسأشارككم بعض الخطوات العملية التي أقوم بها؛ لتقوية هذا الجانب (لا أقول: إنه أصبح قويًّا عندي.. أنا work in progress جدًّا، ولكن أخوض تجربتي بكل حب وصبر🥰) .
بداية، لماذا بدأت هذه الرحلة؟ لأقرِّب بمثال: نحن نولدُ بيدين: اليد اليمنى واليد اليسرى، وعادة تكون إحدى اليدين هي المسيطرة: فنكتب، ونأكل، ونحمل، ونضع بتلك اليد (اليمنى غالبًا)، ما يحدث هو أننا نبدأ نعتمد على اليد اليمنى؛ لسهولة الأمر وتلقائيته، ونترك اليد اليسرى ضعيفة، ولو أننا استثمرنا فيها، وعملنا بها؛ لكانت قوّتها تضاهي اليد اليمنى.
هذا ما حدث معي، وما يحدث مع أغلبنا فيما يخص تحقيق التوازن بين العقل والروح: قمنا بتغذية العقل والمنطق بشدة، وهذا مطلوب، ولكن غفلنا أن نستثمر في الجانب الروحي بنفس المقدار؛ لنحقق التوازن، ولكي لا يطغى منظور على آخر.
بس.. خلص الجانب الفلسفي 🤭 والآن للخطوات العملية:
🌱 النية : ضع نية واضحة، اكتبها وشاركها مع الله، مع نفسك، ومع الكون وأعلن عن قيامك برحلة؛ لتقوية الجانب الروحي لديك. النية الواضحة تعمل تناسقًا أو alignment لجميع القوى الموجودة بداخلك وحولك؛ لتتّحد وتساعدك في رحلتك.
🌱 ما يدخل في ذهنك (input): إذا كنت إنسانًا عمليًّا ومنطقيًّا جدًّا مثلي؛ فإن ما تقرأه وتسمعه – غالبًا – يشتمل على معلومات وأبحاث في مجالٍ ما. جرّب أن توسع دائرة قراءتك وما تسمعه؛ ليشمل أمورًا تخاطب القلب والروح: قرآن أو محاضرات في معرفة الله (بصوت شجيٍّ حنون، وليس شخصًا يصرخ في الناس؛ بحجه تقريبهم لله، هذا يطفئ القلب ولا يحيه🤚)، التدبر في عجائب خلقه – فهم سنن الكون – أدعية، الخ.
🌱التخلص من المتعلّقات التي تملكنا: لا تقلقوا! لن أقترح أن تتخلصوا من جميع ممتلكاتكم 🤭 الهدف هو أن نخفّف من الأشياء التي تملكنا، وليس تلك التي نملكها. هل تلك الحقيبة من ماركة كذا تملكني، ومستحوذة عليّ (قولوا الصجّ😁) ؟ لا بأس.. ليس من الضروري أن أتخلص منها، ولكن ربما أتوقف عن شراء ما يشببها؛ لأنها أقوى مني، ولستُ أقوى منها. هل فكرة: حفلة العرس الباذخ تملكني؟ ربما أفكر في خيارات أوسع.
الأغراض التي تملكنا تصبح مثل الأثقال، تُصَعِّب ارتقاءنا؛ لأنها دنيويّة جدًّا تشدّنا للأسفل. أكيد سنستمتع بنعم الله علينا ونشكره؛ طالما نحن من يملك زمام الأمور.
🌱 اختر دعاءً معينًا يلامس قلبك وروحك، واجعله صديقك المفضل (your best friend). هناك إرث أدبي روحاني رائع عند أغلب الديانات والمذاهب، اختر ما يمثّلك عندما تخاطب الله، واحتفظ به قريبًا منك، وردّده في أوقات مختلفة من اليوم (الصورة ٢ هو الدعاء الذي أعتبره رفيق دربي، والصورة ٣ و ٤ لمواقف استخدمته فيها؛ لتكوين ارتباط، وهناك مواقف كثيرة غيرها).
🌱 العبادات: جميعها جميلة وواجبة، ولكن إعمال ارتباط روحيٍّ عميقٍ فيها؛ يساعد على تغذية الروح.
الصلاة مثلًا بخشوع، أو من غير خشوع “وايد تفرق”. المضحك المبكي أن الأغلب تعلم الحركات الميكانيكية للصلاة، ولكن لم يتعلم كيف يخشع؟! أصلًا من هنا خُضْ حوارًا ذا معنًى عن: كيفية الخشوع والسيطرة على الذهن في الصلاة 🤔؟
عندما يقول شخصٌ ما لغيره: ركّز في الصلاة؟ فهو كمن يقول لشخص جائع: اشبع؟ بصيغة أمر!!🙄 ماذا يفعل بهذا الاقتراح يعني؟ يجب أن يكون لديه ابتداءً: استعداد – آليات – معرفة – مقدرة الخ..
أنا شخصيًّا لا أزال أبحث في: كيفية الخشوع الجميل الكامل العميق الذي يأخذني من عالَمٍ لعالَم، هذا وعمري ٣٥ سنة، يعني “لما شاب ودّوه الكتّاب🤦🏻♀️”. والأغلب يمر بنفس التجربة. لنتوقف هنا 🙏.
🌱 العطاء والامتنان: نحن نمارس العطاء دومًا بدرجة ما: سواء في نطاق العائلة – الأصدقاء – المجتمع – مواقع التواصل الاجتماعي الخ. غالبًا تكون العلاقة منحصرة بين الشخص المعطي والمستفيد.
أبسط مثال لذلك: أمٌّ تطعم طفلها، ممكن تستحضر الله في هذا العمل. مثلًا: أنا ممتنّة أني أستطيع أن أعطي، ممتنّة للرزق الجاري في منزلي، فيكبر هذا الطفل، ويكون من حملة راية الحب والسلام في العالم، وهكذا يكون لهذا العمل البسيط المرتبط بجانبنا البشري بعدٌ روحيٌّ إنسانيٌّ عميق.
هذا التمرين بسيط وخفيف دم؛ لأنه يشجع على الامتنان والموضعة الصحيحة للعمل (ماميز.. جرّبوا هذا التمرين مع أطفالكم 🤗) .
🌱 التذكير اللطيف : ننشغل كثيرًا خلال اليوم بالعمل – الأطفال – الدراسة – مهام البيت وغيرها. أغلبنا بالكاد يجد وقتًا ليأكل وجبةً وهو فارغ الذهن؛ لذا لا بأس ببعض التذكير، للتواصل مع الجانب الروحي فينا.
اترك في منزلك أشياء صغيرة؛ تبرمج نفسك أن تذكر الله، أو تمارس الامتنان عندما تراها. مثلًا: أبرمجُ نفسي أنه عندما أرى مزهرية زرقاء في الغرفة: أذكر الله – ولو لثانية – أو آخذ دقائق؛ لأردد الدعاء المحبب إليّ وهكذا.
كنت سابقًا أضع حَجَرة صغيرة ملساء في حقيبة يدي؛ كلما لمستها وأنا أبحث عن شيئ: ذكرتُ الله. الآن، استبدلت ذلك بتذكير وضعته في عنوان إحدى المجموعات المثبتة في تطبيق الواتس اب؛ لأقوم بالذكر كلما فتحت هذا التطبيق. اختر ما يناسبك.
🌱 اعرف الأماكن التي تساعدك على تكوين ارتباط بالله: يشعر البعض بسهولة أكبر لتكوين ارتباط قوي؛ عندما يكونون في صرح ديني مثل: مسجد، أو حَرم، أو ربما عندما يكونون في الطبيعة. آخرون: قد تكفيهم غرفة هادئة معتدلة الإضاءة، والبعض لا يفرق معه المكان. ليس ثمة صح أو خطأ، اعمل مع طبيعتك، ولا تمش عكس التيار؛ ستبعثِر جهودك. أنت في رحلة جديدة إلى حدٍّ ما، طوِّع الموارد؛ لتساعدك فيها.
🌱 مجموعة الدعم: تحاور مع المحيطين بك في الأمور الروحانية الجميلة، والأفضل أن يكون هناك منصّة مخصّصة لذلك: سواء مجموعة على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، أو لقاءات معينة. ليس من المهم تلقّي معرفة جديدة على هيئة محاضرات أو ما شابه، بقدر ما هو مهمٌ: التدبّر والانعكاس، وخوض حوارات مثرية في هذا الجانب.
مثال: مجموعة من الصديقات يُنشئْن معًا مجموعة؛ لتعزيز هذا الجانب لديهن. كل يوم من أيام الأسبوع تقوم إحداهن بطرح سؤال أو موقف للانعكاس عليه، وتفتح باب النقاش بناء على ذلك 🥰. لو كنتَ مديرًا لمجموعة كهذه: ما هو الاسم الذي ستختاره لها؟
لن يكون الجميع بنفس المستوى من الوعي – فكما ذكرنا – كلنا على نقاط مختلفة من سلّم الترقّي الروحي؛ لذا من المهم أن تكون هذه المجموعات محكومة بشروطٍ للانضمام والمشاركة؛ تؤكد على إتاحة مساحة آمنة للجميع؛ ليعبروا في مستوى إدراكهم الحالي.
عندما نتحدث عن هذا الموضوع في جلسات المتابعة الشخصية – الكوتشنج – يشاركني أغلب المستفيدين: أنهم يشعرون بخلوٍّ في هذا الجانب. ماذا عنك؟
هل تجد من تتحدث معه عن الأمور الروحانية التي تجول بداخلك، اعمل له منشن؛ تقديرًا لوجوده بجانبك 🥰.
🌱 علاقتك بالقرآن (الكتاب المقدس في دينك):
👈 تواصل مع القرآن بمستوى وعيك الحالي: قراءة – تدبر – استفتاح أو غيره، ولكن المهم: أبق على الارتباط.
لي قصة جميلة مع الاستفتاح بالقرآن، أحب أن أشارككم إياها، ومن لا يؤمن بهذا؛ فرأيه محترم جدًّا، وممكن أن يتركنا الآن، ويشاركنا في المنشور القادم💚.
عندما حصلت على تشخيص ب #التصلّب_المتعدد أول مرة خفت كثيرًا، وقررت أن أستفتح بالقرآن لأول مرة (الاستفتاح يختلف عن الاستخارة، نسنتفتح؛ لنحصل على رسالةٍ ما🌷) و ظهرت لي الآية التالية، أو أخرى تشبهها جدًّا.. مع الأسف لم أدوّن.. تقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (التوبة ٧٣)، ووقتها؛ كوني لم أفهم علاقة الكفار والمنافقين وجهنم بموضوع التصلب المتعدد، واعتقدت أنني لم اقم بالاستفتاح بشكل صحيح، وحقيقة لم أسأل أكثر، ونسيت الموضوع.
ثم طلب والدي من أحد الصالحين أن يستفتح بالقرآن؛ لنفس السبب، – وسبحان الله – ظهرت الآية ذاتها؟! وأخبرني تفسيرها، وارتباطها بوضعي، وكان فيها رسالة مطمئنة لي. عندما تكررت الآية، بدأت ألتفت لهذا الموضوع، واستشعرت رحمة الله تعالى بي.
ومرت الأشهر والسنوات، وأصبحت على بعد ٦ أشهر من مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بي، عند ما عملت لي الجامعة (فلم: اكشن/رعب/ إثارة!!) ووقتها شعرت: أنه من الممكن ألّا استطيع إكمال دراستي، ولم تكن عندي القدرة حتى لفتح ملف الرسالة والعمل عليه (انظر: الصورة ٢).. شيئٌ ما ألهمني أن أستفتح بالقرآن.. – سبحان الله – جاءت الآية تقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة ١٢٣)، و عرفت المغزى منها، وهذه الآية فقط هي التي جعلتني أنهض وألملم نفسي، وأعود للعمل، وأجمل شيء: أنه قبل ٤ أيام من مناقشة رسالة الدكتوراه استفتحت بالقرآن مرة أخيرة، و جاءت آية جميلة مشجعة تقول:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص ١٤)..كان تعبي بعين الله تعالى، ولديّ الآن الحكم والعلم، وأنا جاهزة للمناقشة، والتي تمّت بنجاح؛ بلطفه سبحانه.
🌱 يتبع/علاقتك بالقرآن (أو الكتاب المقدس في دينك) :
شخصيًّا أحاول أن أقرأ صفحة أو صفحتين من القرآن الكريم قبل النوم، وأحب أن أفتح القرآن بشكل عشوائي؛ كثيرًا ما تكون الصفحات التي أفتحها مرتبطة بأحداث يومي، وتساعدني على عمل انعكاس عليها.
جِد علاقتك بالقرآن، وجدّدها وعمّقها؛ فهو غذاء القلب (لا.. القلب والروح لا يتغذّيان على المعلومات، وناشيونال جيوغرافيك؛ إلا إذا كان وراءها تدبّر وتفكّر وتعقّل. الاثنان لازمان، ولكن في حال غلب غذاء العقل على غذاء الروح يصيدنا مغص🤭). نحن محظوظون أننا نتقن العربية، ونستطيع تكوين ارتباط عميق مع هذا الكتاب المدهش 🤗.
🌱 الهوية التي نحملها: من أنت الآن؟ ومن تريد أن تكون؟ يصنع كلَّ الفرق. لأوضح بتمرين بسيط: خذ ورقةً وقلمًا، وارسم نفسك في منتصف الصفحة، ثم أخرج خطوطًا، واكتب في نهاية كل منها عناصر هويتك. كيف تبدو الإجابات؟
إذا كانت: مثقف/مطّلع/قارئ/كثير السفر.. الخ؛ فهذا ليس سيئًا، ولكنه ليس بالضرورة جيدًا أيضًا؛ لأنه لم ينعكس في أمور أخرى واضحة في هويتك. أما إذا كانت هويتك: طيب / محب / يساعد الآخرين… الخ؛ فهذا يجعلك أكثر التصاقًا بجانبك الروحي. الأغلب: هو خليط من الاثنين.
ادرس هويتك، وقرّر ماذا ستفعل بشأنها؟ بعض الصفات جيدة، ولا يجب أن تُحذف، ولكنها لا يجب أن تُكَوِّن هويتك أيضًا، هناك مساحة واسعة للانعكاس والتعديل.
نسهب في هكذا تمارين أكثر في جلسات “الكوتشنج” الشخصية، ولكن أتمنى أن تكونوا قد أخذتم فكرة مبدئية 🙏.
🌱 ذكرياتك مع الله : حصلت لكلٍّ منا مواقف أشبه بالمعجزات. دوّنها.
احتفظ بمدوّنة، واكتب فيها جميع المواقف التي أنقذك الله فيها، أو يسّر لك أمرك. – بالطبع يد الله في كل أمور حياتنا – ولكني أتحدث عن مواقف واضحة استوقفتك وقتها. انظر: الصورة (٢ و ٣) لبعض المواقف التي حصلت معي .
هذا الدفتر هو memory book خاص بك مع الله، تتصفّحه كلما ضاقت بك الدنيا؛ لتُذكّر نفسك: أنها مهما ضاقت؛ سيفرجها الله، وأنت نفسُك أكبر مثال على ذلك.
إذا لم تتذكّر مواقف حصلت لك، دوّن تلك التي حصلت لأشخاص قريبين منك، وافتح عينيك، وكن متيقظًا أكثر؛ لترى الله بوضوح أكثر في حياتك. دوّن في هذا الدفتر أولًا بأول، وسيكون من أعزّ مقتنياتك.
استجابات