ماهي قناعاتك حول المرض والصحة ؟


اتذكر بوضوح أحد الحوارات التي كنت اقوم بها مع طبيب الأعصاب الخاص بي وللأمانة هو من أفضل الأطباء الذين صادفتهم.. وقتها قال لي ‘مرض التصلب ليس له علاج’.
.
ازعجتني هذه العبارة كثيرا وفكرت ‘وااو… هذه الجملة وايد خارقة للعادة.. يعني معقول انت تعرف جميع تراكمات المعرفة الإنسانية من الشرق إلى الغرب وجميع انواع الطب وكل العلاجات وأثر الأغذية والأعشاب وأنواع انماط الحياة وكل العلوم الاخرى.. يعني كل ما يمكن معرفته على جميع الأصعدة؟’
.
طبعا سألته عن مصدر هذه الجملة ووقتها أوضح لي انه يقصد أن الطب الحديث لا يزال يبحث في هذا الموضوع وحاليا لا يملك العلاج، ولكن يوفر أدوية تبطئ الإعاقة.
.
اوكي.. هذا معقول أكثر.. جملة مؤسفة، ولكن صادقة.. رجوته أن ينتقي كلامه بشكل أفضل عندما يخاطب المرضى لتفادي وضع قناعات غير صحيحة في اللاوعي الخاص بهم وهو تفهم ذلك جدا

وشكر ملاحظتي بلطف.
.
الحمدالله أنى استطعت ملاحظة هذه الجملة قبل أن تستقر في اللاوعي الخاص بي.. خصوصا أنها جاءت من شخص احترمه وعملت لها ‘فلتر’ ولكن ماذا عن العبارات الأخرى التي تدخل في لا وعينا

دون أن ننتبه لها؟
.
هي تشكل قناعاتنا وبالتالي تتحكم في سير المرض والشفاء منه.
.
التأمل في هذه الحادثة دفعني أن أبحث في قناعاتي أكثر.. لم يكن سهلا أن أدخل داخل عقلي لأرى ‘مدى التخبيص’ الموجود هناك.. لذا نرجع الأساسيات.. ورقة وقلم..
.
أخذت ورقة وقلم ووضعت المنبه في موبايلي على ‘٥ دقائق’ وقلت ابدء اكتب جميع قناعاتي عن المرض و الشفاء لمدة ٥ دقائق و لا أتوقف ابدا ابدا للتفكير.. اكتب فقط بسرعة وباستمرارية.. جودة الخط غير مهمة.. المهم فقط أن أكتب واكتب.
.
رن المنبه بعد ٥ دقائق ووجدت صفحة وربع مليئة بما كان في ذهني حول هذا الموضوع. والآن جاء وقت الجد.. الكثير من القناعات كانت مستوردة من الخارج.. من الخطاب السائد اليائس والبائس حول المرض.. بعيدة كل البعد عن ثوابتنا في دين الإسلام أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وان لكل داء دواء وان الله أكبر من كل شيء. لم يكن غريبا ان الكثير من قناعاتي كانت تخدم صنعة شركات الأدوية.. هم نفذوا حتى إلى عقولنا.
.
ثم بدأت أتساءل.. لماذا لا أعرض قناعاتي إلى تحدي أكبر.. بدأت اتناقش فيهم مع بعض الأفراد حاوليني الذين يفكرون بطرق مختلفة قليلا.. غربلتهم أكثر والآن لدي قناعات واضحة بالنسبة لي وإلى حد كبير نابعة من داخلي وليس ‘كوبي وبيست’ من الثقافة السائدة هنا.
.
الخطوات سهلة كما ذكرت و لكن أساسية لتصحيح المنظور ..

أحب هذه الحوارات كثيرا.. جميعها بلا استثناء تضيف لي وتوسع افاقي.. وبعضها يجعلني أفكر.. في طريقة تفكيرنا.. .
.
العبارات التالية متداولة جدا. .
‘الحمدالله على نعمة المرض. الله ما ابتلاني الا لأنه يحبني’
‘المرض نعمة لأن إذا أحب الله عبدا ابتلاه’ ‘و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم’
‘المرض امتحان من الله’ ‘الله بيعوضني الشي اللي خذاه مني’.
بدايتا و نعم بالله.. لكن خله نفكر فيها شوي.. .
.
اطرح نفسي كمثال: معاي تصلب متعدد من ١٠ سنوات. إذا خذيت بجميع أسباب الصحة ومرضت ممكن تكون الجمل أعلاه ذات صلة بحالتي، ولكن هل هذا ما حدث معي ومع عامة المرضى؟ .
.
نتناول طعاما مليء بالهرمونات و المضادات و مبيدات الحشرات.
الحركة ليست جزءا من حياتنا. نحن غالبا جالسون على المكتب أو على ‘الصوفا’ او في السيارة.. جودة الهواء شبه معدومة.. عطور كيميائية، معطرات جو، مواد تنظيف المنزل، دخان سجائر.. ندهن أجسامنا بكريمات صناعية ونضع مساحيق تجميل لا نعرف تركيبتها ونجبر الكبد والكلى على التعامل معها.. الإمساك حالة مزمنة يعاني منها الكثير ولا يؤخذ بجدية رغم أنه أم الأمراض كما وصفه ابن سينا.. راح العمر واحنه ما نعرف ‘نمضغ الطعام’ بشكل صحيح.. نتعايش مع الحالة النفسية السيئة.. توتر وقلق واكتئاب و بدل ما ينحل على وجه السرعة نقول ‘الله كريم.. شنسوي بعد’ (شنسوي بعد هذه خاصة بأهل البحرين 😚)
حتى الخيارات النباتية لدينا مزروعة في تربة فقيرة ومنهكة وأحيانا بعيدة عن أشعة الشمس.. عامة الناس لا تعرف نمط جسمها ومزاجه وبذلك تتناول طعام لا يناسبها وان كان يسمى صحيا.. ومجموعة كبيرة أخرى من الخيارات السيئة. .
.
بعد هذا كله. الله ابتلاك او انت ابتليت نفسك؟؟ .
.
هل انت مريض لأن الله يحبك أو لأنك مو ماشي ‘صراط المستقيم’ مع اي سبب من اسباب الصحة و المرض الستة؟؟
.
اتذكر اني كنت أتحدث مع إحدى المريضات و والدتها و اشرح لهم أبعاد المرض و التغيير المطلوب في نمط الحياة. وكل ما اقول جملتين تقاطعني الأم علشان ‘تسمي على بنتها’.. في النهاية اضطربت أنى أوضح ‘يا ام فلانة.. ألف بسم الله عليها.. بس في سنن وقوانين في الطبيعة.. إذا ما بتاخذ بالأسباب بتتحمل النتائج.. والقران يقول فلينظر الإنسان إلى طعامه هذي بديهيات’.. .
.
.
الهدف من التمرين المذكور في المقال هو كتابة القناعات ثم دراستها و غربلتها للتأكد من انها منطقية.. القناعات التي تعطي المريض فسحة كبيرة وتقلص شعوره بالمسؤولية خطرة وان كانت مغرية
.
اين تبدأ و تنتهي مسؤولية المريض

حدث معي موقف جعلني أدرك تناقضا صارخا في داخلي.. أحب ان أشارككم اياه.

قبل عدة أيام، كنت في نهاية يوم طويل ومضني خارج البيت وبسبب سوء تخطيط مني لم احمل

ما يناسبني من طعام.. كنت جائعة ومتعبة واتخذت خيار سيئ بأن اتناول القليل من “سمبوسة بطاطا”.. خيار سيئ سيئ.. لعدة أيام بعد تلك الوجبة اللي “ما كان لها داعي صراحة😒” رجعت لي بعض الأعراض التي كنت قد تخلصت منها منذ زمن ودخلت في موجة قلق!!! .
.
لم اقلق بسبب الانتكاسة أو الأعراض (أيا كان اسمها) فهذا اتعامل معه 🌺. قلقي كان بسبب فكرة غبية وخاطئة كانت “معشعشة” في اللاوعي عندي.
.
في حوار بيني وبين صديقة لي حول القلق الذي انتابني.. اعترفت لها و لنفسي لأول مرة انه رغم أنني باحثة جادة في طب ابن سينا و عقلي الواعي يؤمن بحتمية الشفاء من خلال نمط الحياة و الغذاء الصحي إلا ان عقلي اللاوعي لا يستطيع ‘تطنيش’ ال deadline أو التاريخ الذي وضعه لي الطبيب فيما يخص موعد تدهور حالتي الصحية. قال لي بعد عشر أو خمس عشر سنة من إصابتك بالمرض هناك احتمال ثمانين بالمئة انك ستنتقلين من وضع الانتكاسي إلى التقادمي و بما انني في السنة العاشرة، يبدو أن جزء من ذهني كان ينتظر هذا التدهور.

طبعا كل هذا الهراء و التخبيص يحدث في عمق العقل اللاوعي.. كنت حسنة الحظ أن أحد الحوارات التي خضتها دفعت بهذا المعتقد إلى السطح حتى أستطيع التعامل معه و لكن ماذا لو لم يحدث هذا الحوار؟ ماذا لو أن هناك معتقدات أخرى غبية قابعة في زوايا أذهاننا.

أشعر أنني تعرضت للتسمم.. قناعاتي تعرضت للتسمم.. على قدر ما تعرضت له من سوء يجب أن أعمل على التنقية والتنظيف.

اعمل إعادة مواضعة لهذي القناعة.
.
أؤمن أن المرض لا يمكن أن يتفاقم. مستحيل.. هو ليس نتاج شيء دخيل بحيث يتكاثر رغما عني. جسدي انا ممكن يتدهور إن أهملته ولم امنع العوامل التي أدت به إلى المرض.. لا بأس، هذا قابل للإدارة بالأسباب الستة للصحة التي وضعها ابن سينا. .
.
اؤمن أن لكل داء دواء و أن لي دور في إعمار الأرض و مستحيل ان اضيعه في التعامل مع “طربات” التصلب أو غيره و ان الله يراني لائقة بهذا الدور. .

طبعا لم ينتهي الموضوع عند هذا الحد فالقناعات الراسخة لا تتزحزح بسهولة خصوصا اذا كانت مهداة لنا من أشخاص نثق بهم و لكن “يا انا يا أهيه”. .
.
الرسالة الأخرى لهذا الموضوع هي في حال كنتم منتظمين على حميات شفائية لا تقوموا بعمل استثناءات بلييييييز🙏
.
هل هناك قناعات خاطئة في ذهنك حول الشفاء؟

ماذا ستفعل بشأنها؟

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *